فصل: مسألة قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعله حتى مات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن كان الذي في كمه دنانير:

وسئل عمن قال: امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن كان الذي في كمه دنانير أو وإن كان الذي في حانوته فسطاطيا، فنظر الذي في كمه فإذا فيه دنانير ودراهم، ونظر الذي في حانوته فإذا فيه فسطاطي وشطري ومروي وخز.
قال هو حانث في كلا الوجهين، قال وسواء قال إن كان الذي في كمي أو قال في حانوتي هما سواء، وهو حانث فيهما جميعا، وقاله أشهب.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما أنه حانث؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، ولا عذر له في أن حلف على يقينه فانكشف له خلاف ما حلف عليه؛ لأن ذلك لغو، واللغو لا يكون إلا في اليمين أو ما تكون كفارته كفارة يمين بالله. وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعله حتى مات:

ومن كتاب العرية:
وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة، أو غلامه حر إن لم يفعل شيئا سماه فلم يفعله حتى مات.
قال: ترثه امرأته، ويعتق الغلام في ثلثه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل، فإذا لم يفعل حتى مات وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتاق، فوجب أن ترثه المرأة؛ لأن الطلاق بعد الموت لا يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق لئلا يسترق بالشك، ولأنه أيضا لو وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق، إذ قد استثنى ذلك لنفسه حين حلف على ما قاله في رسم الصبرة من سماع يحيى بعد هذا، فلما أوقع على نفسه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق، إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته، ولو قال قائل إن ورثته ينزلون بعد موته في التخيير منزلته في حياته، فلا يعتق العبد في الثلث إلا برضاهم لكان لذلك وجه من أجل أن الأصل براءة الذمة، والعتق لا يكون إلا بيقين. وبالله التوفيق.

.مسألة قال يزيد أو محمد حران إن لم أفعل كذا وكذا فمات قبل أن يفعله:

قيل له: فلو كان قال: يزيد أو مبارك حران إن لم أفعل كذا وكذا، فمات قبل أن يفعله؟.
قال: يعتق واحد منهما بالسهم، قيل: كيف يعتق؟ أنصف قيمتهما أو من خرج سهمه؟ قال: بل من خرج سهمه، يسهم بينهما، فإن خرج سهم أحدهما وهو أكثر من الثلث عتق منه ما حمل الثلث، وإن خرج سهم الأخر وهو أدنى من الثلث عتق، ولم يعتق من الآخر فيما بقي من الثلث قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: حكم هذه المسألة حكم الرجل يقول في صحته: أحد عبيدي حر، أو أحد عبيدي حر إن فعلت كذا وكذا فيحنث فلا يختار أحدا منهم حتى يموت، إلا أن العتق في هذه من الثلث، وفي تلك من رأس المال، وفيها ثلاثة أقوال: أحدهما رواية ابن أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب العتق أنه يقرع بينهم، ومثله ما وقع في رسم الصلاة من سماع يحيى منه في رواية عيسى عن ابن القاسم أنه يقرع بينهم، وأراه أشار إلى هذه الرواية لاستواء المسألتين على ما ذكرناه؛ لأن الذي في سماع عيسى عن ابن القاسم في الكتاب المذكور أن العتق يجري فيهم، فإن كانوا ثلاثة عتق أثلاثهم، وإن كانوا أربعة عتق أرباعهم، وهذا القول الثاني.
والقول الثالث أن الورثة ينزلون منزلته فيعتقون من شاؤوا منهم، وهو رواية يحيى عن ابن القاسم وأحد قولي سحنون في رواية عيسى في القرعة إذا اختلف الورثة، ورواية يحيى عنه في أنهم بمثابته إذا اتفقوا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول آخر امرأة أتزوجها فهي طالق:

وسألت ابن القاسم عن الذي يقول: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق قال: يتزوج ما شاء ولا شيء عليه؛ لأنه مثل من حرم على نفسه جميع النساء؛ لأنه كلما تزوج امرأة فرق بينه وبينها؛ لأنه لعل تلك المرأة آخر امرأة يتزوجها، ولا تستقر معه أبدا امرأة، ولا شيء عليه، قال سحنون في الذي يقول: آخر امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: يوقف عن وطء امرأته خوفا ألا يتزوج غيرها حتى يموت؛ لأنه إذا مات كانت آخر امرأة يتزوجها، فلزمه الحنث يوم تزوجها، فيكون قد وطئها بعدما حنث فيها، فيوقف عن الوطء حتى يتزوج غيرها، فإذا تزوج غيرها قيل له إن اليمين والحنث قد زال عنها، وإن لم يتزوج حتى ينقضي الأجل وأرادت الأولى الوطء وقالت: ها هو ذا يقدر على أن يطأني بأن يتزوج أخرى فيجوز له وطئي فيترك ذلك ضررا، فيضرب له الحاكم أجل الإيلاء، فمن تزوجها قبل تمام الأجل سقطت عنه اليمين، وإن لم يتزوج حتى ينقضي الأجل طلق عليه السلطان إلا أن يتزوج قبل طلاق السلطان وحكمه، وكذلك الحكم في الثانية حتى يتزوج ثالثة، وكذلك الحكم في الثالثة حتى يتزوج رابعة، وكذلك الحكم في الرابعة، ويضرب له فيها أجل الإيلاء إلا أن يموت من عنده أو يطلق فيتزوج فقس على هذا تصب إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في نوازل سحنون من كتاب الإيلاء فلا وجه لإعادته هنا مرة أخرى وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته إن كلمتني حتى تقولي إني أحبك فأنت طالق:

قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته إن كلمتني حتى تقولي إني أحبك فأنت طالق، فقالت: غفر الله لك، نعم أنا أحبك.
فقال: هو حانث حين قالت غفر الله لك قبل أن تقول أنا أحبك، ولقد اختصمت أنا وابن كنانة إلى مالك في رجل قال لامرأته إن كلمتك حتى تفعلي كذا وكذا فأنت طالق، ثم قال لها في ذلك النسق بعد الطلاق: فاذهب الآن كالقائل: إن شئت فافعلي وإن شئت فدعي، فقلت أنا: قد حنث حين قال لها اذهبي، وقال ابن كنانة: لم يحنث، فدخلنا على مالك فقضى لي عليه ورآه حانثا، فمسألتك أبين من هذا، وفي كتاب أصبغ فكأنه قضى لي عليه، ولم يقض عليه بالحنث، قال أصبغ لا شيء عليه، وقول ابن كنانة أصوب لأنه من اليمين ما هو لم تبرد اليمين ولم تبرد إلا به، وقول ابن القاسم عن مالك فكأنه قضى لي عليه ليست برواية ولا جواب، وقد سمعت ابن القاسم يقول في أخوين حلف أحدهما على صاحبه إن كلمتك أبدا حتى تبدأني، ثم حلف الآخر إن كلمتك أبدا حتى تبدأني، إن الأيمان عليهما على ما حلفا عليه، من بدأ منهما صاحبه فهو حانث، وإن حلف الثاني حين حلف ليست تبدئة تسقط بها الأيمان، وليس هذا من وجه ما أراد، قال: وقال ابن كنانة مثله.
قال محمد بن رشد: في سماع محمد بن خالد عن ابن نافع في رجل قال لصاحبه امرأته طالق إن كلمتك حتى تبدأني بالكلام فقال صاحبه: إذا والله لا أبالي. هل هذه تبدئة؟.
قال: لا، وهذا نحو قول ابن كنانة الذي صوبه أصبغ وأخذ به. وما لزم ابن القاسم من الاضطراب في المسألة التي سمعها منه لازم له، إذ لا فرق بين المسألتين، فهو اختلاف من قوله.
والأظهر أن الحنث لا يقع بشيء من هذا الكلام؛ لأنه من تمام ما كانا فيه، فلم يقع عليه اليمين، وإنما وقعت على استئناف كلام بعد، فلا يقع الحنث بشيء من هذا على أصل المذهب في مراعاة المعاني المقصود إليها في الأيمان دون الاعتبار بمجرد الألفاظ دون المعاني، وإنما يوجب الحنث بهذا من اعتبر مجرد الألفاظ في الأيمان ولم يلتفت إلى معانيها، ويوجد من ذلك مسائل في المذهب ليست على أصوله تنحو إلى مذهب أهل العراق وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن ماتت امرأتي إن تزوجت حتى أحج أو أغزو فالتي أتزوج طالق:

وسأله رجل فقال: إني كنت طلقت امرأتي البتة، ثم تزوجتها بعد زوج فكانت تحتي، فقلت: إن ماتت امرأتي إن تزوجت حتى أحج أو أغزو فالتي أتزوج طالق، ثم نظرت فإذا النكاح الذي أنكحتها به كان فاسدا تزوجها محلل أو نحو ذلك، أو كان صحيحا فطلقها، هل علي شيء إن تزوجت قبل أن أحج أو أغزو.
قال: لا شيء عليه إلا أن تكون نويت إن خلوت بها بوجه من الوجوه، قال: لم أنو شيئا غير أني إنما أردت خلوتي منها، ولم أذكر إلا الموت، قال: لا شيء عليك إلا أن تكون خرجت يمينك على النية أنك إن خلوت منها بوجه من الوجوه ألا تتزوج حتى تحج أو تغزو.
قال محمد بن رشد: قوله لم أنو شيئا غير أني إنما أردت خلوتي منها غير أنه لم يخطر ببالي وجه أخلو به منها غير الموت الذي ذكرته فعادت نيته إلى أنه إنما أراد خلوه منها بالموت، ولذلك قال: إنه لا شيء عليه بخلوه منها بما سواه إلا أن يريد خلوه منها بأي وجه كان، وذلك صحيح بين في المعنى؛ لأن اليمين إذا عريت من النية حملت على مقتضى اللفظ، فكيف إذا وافقت النية اللفظ؟ وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق أو طلاق امرأته ليعتمرن في شوال فلما دخل شوال اعتمر:

قال عيسى وسئل عن رجل حلف بعتق أو طلاق امرأته ليعتمرن في شوال، فلما دخل شوال اعتمر، ثم إنه مرض مرضا يمنعه من المسير حتى خرج شوال، ولم يطف بالبيت.
قال ابن القاسم: هو حانث إلا أن يكون جعل لنفسه مخرجا في عقد يمينه.
قال محمد بن رشد: لم يعذره في المسألة بالمرض إذ قال فيها إنه حانث إلا أن يكون جعل لنفسه مخرجا في عقد يمينه، يريد أن ينوي إلا أن أمرض أو يمنعني مانع، وكان القياس أن يكون في حكم المكره لا يحنث، كمن حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، إذ لا سبب له في المرض، إلا أنهم فرقوا على غير قياس في الأيمان بين الإكراه على الفعل وعلى ترك الفعل، فعذروه بالإكراه على الفعل، ولم يروه حانثا به، ولم يعذروه بالإكراه على ترك الفعل إذ لا إكراه على ألا يفعله، وقد كان حلف أن لا يفعله ورأوه حانثا إلا أن ينوي إلا أن أغلب أو أمنع وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، ووجه استحسان التفرقة بينهما أن الرجل أملك لترك الفعل منه لفعله، ولهذا المعنى افترق البر من الحنث فحنث من حلف ألا يتزوج بالعقد، ولم يبر من حلف ليتزوجن إلا بالدخول، ومنه كان النهي أقوى من الأمر، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم». فلم يعذر الحالف على الفعل بالإكراه على الترك إلا أن ينوي ذلك، لقوة ملكه للترك، إذ يكون تاركا له بفعل ما يشاء من أضداده من غير قصد إلى شيء منها بعينه دون ما سواه، وعذر الحالف على ترك الفعل بالإكراه على الفعل وإن لم ينو ذلك لضعف ملكه للفعل، إذ لا يكون فاعلا له إلا بترك جميع أضداده، وعلى هذا من حلف ليصومن غدا فمرض مرضا يمنعه من الصيام أنه يحنث إلا أن ينوي إلا أن أمرض، بخلاف من حلف ليصومن غدا فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى أنه يفطر ولا حنث عليه، إذ لا يحل صيام ذلك اليوم، وهو إنما حلف بصيام ما يؤجر في صيامه لا ما يأثم فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة قيل لأحدهما صالح صاحبك فحلف بالطلاق أنه لا يصالحه:

وقال في رجل كانت بينه وبين رجل خصومة في أرض فقيل لأحدهما: صالح صاحبك، فحلف بالطلاق أنه لا يصالحه، فلما طالت خصومتهما قال الحالف لصاحبه: انظر ما تدعي فخذه من الأرض، فقال: ندعي من هاهنا إلى هاهنا: خذه فأخذه، ما ترى عليه؟.
قال: إن كان أعطاه كل ما يخاصمه فيه ويدعيه قبله فلا حنث عليه، وإن كان أعطاه بعض ما كان يدعيه فقد حنث، قال ابن القاسم: إلا أن يكون أراد ألا يسلم إليه شيئا منه، فإن كان ذلك نيته حنث.
قال محمد بن رشد: لسحنون في كتاب ابنه أنه يحنث وإن أعطاه كل شيء، قال: إنه يحنث بالبعض فكيف بالكل؟ فلم يراع لفظ المصالحة التي حلف عليها وحمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يسلم إليه شيئا مما ادعى، فإذا حنث باليسير كان أحرى أن يحنث بالكثير، وقول ابن القاسم أحرى على أصولهم في أن الحالف إذا لم تكن له نية يرجع في يمينه إلى ما يقتضيه اللفظ، والمصالحة إنما تكون بأن يعطيه بعض ما يدعي، فإن أعطاه أقل مما يدعيه حنث وإن قال إنه جميع حقه وإن الذي ادعاه أولا أكثر من حقه.

.مسألة يقول لامرأته أنت طالق البتة إن لم تدفعي إلي مائة دينار:

وسئل عن الرجل يقول لامرأته أنت طالق البتة، إن لم تدفعي إلي مائة دينار أو تتركي مالك علي من المهر، فتركته له ثم أرادت أن تأخذه منه بعد ذلك، فخاصمته أو توفي فأرادت أن ترجع فيه أو أقام بعد ذلك شهرين أو سنة ثم طلقها فأرادت أن ترجع، هل ترى ذلك لها إن ادعت أنها ما تركت ذلك له إلا على أن لا يطلقها.
قال: ليس لها أن ترجع عليه في شيء مما أعطته.
قال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ: هذا بين على ما قاله؛ لأنها يمين قد لزمته بطلاق البتة إن لم تعطه ذلك، فإذا أعطته ذلك فقد نالت بما أعطته سلامتها من وقوع الحنث عليها ولو لم يكن لها أن ترجع عليه بعد ذلك بشيء منه طلقها أو لم يطلقها، زاد في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة: ولو شاءت نظرت لنفسها، يريد بأن تقول له لا أعطيك ذلك إلا على ألا تطلقني بعد ذلك. وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق.

.مسألة يطلق امرأته واحدة ثم قيل له ارتجع امرأتك فقال إن ارتجعتها فهي طالق:

وعن الرجل يطلق امرأته واحدة ثم قيل له: ارتجع امرأتك، فقال إن ارتجعتها فهي طالق البتة، ثم تزوجت زوجا غيره، ثم طلقها أو مات عنها فأراد أن يتزوجها وقال إنما نويت حين حلفت ألا أرتجعها حين كانت لي عليها الرجعة، أو أراد أن يتزوجها ولم يتزوج حين خرجت من الاستبراء، وذكر أنه لم تكن نيته إلا ذلك، أو قال لم أنو شيئا.
قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول هو حانث، ولم يذكر مالك نيته، قال ابن القاسم: وإنما أرى أن يحلف على ما نوى ويكون القول قوله، وإن لم تكن له نية لزمه ما حلف عليه.
قال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ: قال ابن القاسم في هذه المسألة: إنه ينوى فيها مع يمينه، ولم يذكر إن كانت عليه بينة أم لا؟ والذي ينبغي في هذه المسألة أن ينوي فيها وإن كانت عليه بينة؛ لأن نيته فيها ليست مخالفة لظاهر لفظه، إذ إنما حلف ألا يرتجعها، بخلاف مسألة رسم سلف من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة إذ كانت يمينه ألا يراجعها، وقد مضى من القول على ذلك هناك ما فيه كفاية، وظاهر قول مالك فيما حكى ابن القاسم من أنه لم يذكر نية أنه لا ينوى يريد مع قيام البينة، إذ لا اختلاف في أنه ينوى إذا لم تكن عليه بينة فهو ينحو إلى ما في سماع أصبغ من اطراح الاعتبار بالألفاظ في هذه المسألة، وأن يمينه على ألا يرتجع أو على ألا يتزوج سرا.

.مسألة قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفي عليك فضربها حتى اشتفى:

ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
وسئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أضربك حتى أشتفي عليك فضربها حتى اشتفى فيما يرى، فلما رفع يده عنها ضحكت وقالت له: والله ما اشتفيت.
قال ابن القاسم: إن كان إنما حلف ليضربها حتى يشتفي فضربها حتى اشتفى في نفسه فقد بر، ولا حنث عليه، وإن قالت: لم تشتف لم يلتفت إلى قولها إذا كان هو قد اشتفى في نفسه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنما حلف أن يضربها حتى يشتفي فهو أعلم هل اشتفى أم لا، ولا ينبغي أن يلتفت إلى قولها: لم تشتف، إذا كان يعلم من نفسه أنه قد اشتفى، كما لا يصح أن يلتفت إلى قولها لو قالت قد اشتفيت وهو يعلم من نفسه أنه لم يشتف، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاقها ألا يأخذ شيئا من مالها إلا بإذنها فأذنت ثم رجعت في الإذن:

وسئل عن رجل حلف بالطلاق ألا يأخذ شيئا من مال امرأته إلا بإذنها ورضاها، فأذنت له أن يأخذ من مالها ما شاء ويقضي فيه بما أراد، فقضى في ذلك زمانا، ثم قالت له: لا تأخذ من مالي شيئا.
قال ابن القاسم: إن أخذ من مالها شيئا بغير رضاها بعد أن نهته عنه فهي طالق.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على مراعاة المعاني في الأيمان وترك الاقتصار على مقتضى اللفظ وهو المشهور في المذهب؛ لأن معنى يمين الحالف ألا يأخذ من مال امرأته شيئا إلا بإذنها ورضاها ألا يأخذ من مالها شيئا إلا وهي راضية، فإذا أخذ من مالها شيئا بعد أن نهته عن ذلك وجب أن يحنث لكونها غير راضية بذلك، ويأتي على الاعتبار بمقتضى اللفظ دون مراعاة المعنى ألا يحنث بما أخذ من مالها بعد أن أذنت له في ذلك وإن كانت قد رجعت عن الإذن ونهته أن يأخذ، وهو على قياس من قول مالك في رسم الطلاق، ومن سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك في الذي يحلف بالحلال عليه حرام أن تقوم امرأته عنه فلا ترجع إليه حتى يشاء، فتقوم عنه ثم تستأذنه في الرجوع فيقول لها: تعالي إن شئت، ثم يقول لها: لا تأتي، فتأتي على الإذن الأول: إنه ليأخذ بقلبي أنه أذن، يريد أنه إذن لا يسقط رجوعه عنه، فلا يحنث إذا أتت عليه بعد أن نهاها عن الإتيان، وهذا على قياس ما يأتي لأصبغ في أول نوازله من هذا الكتاب وقول ابن دحون: إن ذلك يأتي أيضا على قول سحنون في الذي يشترط لامرأته ألا يخرجها إلا برضاها فيخرجها برضاها ثم تطلب منه أن يردها، إن ذلك لا يلزمه، خلاف قول ابن القاسم، وهو صحيح أيضا لأن من رأى أنه لا يلزمه أن يردها وهو قول سحنون في أول رسم يتخذ الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب، وروايته أيضا عن ابن القاسم في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب النكاح، فوجه قوله أنها لما أذنت له أن يخرجها فقد أباحت له السكنى بها حيث أخرجها، فسؤالها إياه أن يردها رجوع منها عما أذنت له فيه، وقد قيل: إنه لا يكتفي بهذا الإذن المجمل ويلزمه أن يستأذنها كلما أخذ من مالها شيئا وإلا حنث، وذلك على القول بأن من حلف على امرأته ألا تخرج إلى موضع إلا بإذنه أنها قد تجتزي بأن يقول لها: اخرجي إلى حيث شئت فقد أذنت لك حتى تستأذنه في كل ما ينوبها من الخروج، وسيأتي القول على ذلك في رسم سلف إن شاء الله.

.مسألة قال إن مات ابني وليست لك قبلي تباعة من هذا الدين فأنت طالق:

وعن رجل كانت له امرأة له منها ولد ولها عليه دين فلزمته بدينها فقال لها: إن مات ابني وليست لك قبلي تباعة من هذا الدين فأنت طالق.
قال ابن القاسم: لا أرى أن يقضيها ذلك الدين فإن شحت وطلبت حقها اقتضته وطلقت عليه ساعتئذ، قلت: فإن قضاها بعضه وبقي بعض فلا شيء عليه؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال؛ لأنها إن اقتضت منه دينها صارت بمنزلة من قال لامرأته: إنه مات ابني فأنت طالق يعجل عليه الطلاق، ولو قال: وليست لك علي تباعة ولم يقل من هذا الدين لم يعجل عليه الطلاق باقتضاء الدين وإن لم تكن لها عليه تباعة سواه، إذ قد يكون لها عليه تباعة يوم يموت فلا يكون مطلقا إلى أجل هو آت على كل حال، وتؤمر أن تداينه بما أمكن لئلا يموت الولد ولا تباعة لها عليه فيقع عليها الطلاق بموته وبالله التوفيق.

.مسألة عبد حلف لغريم له بطلاق امرأته أن يدفع إليه أول دينار يدخل عليه فباعه سيده:

وسألته عن عبد حلف لغريم له بطلاق امرأته أن يدفع إليه أول دينار يدخل عليه، فباعه سيده فقال المشتري للبائع: اكسه فإنه لا كسوة له، فأعطاه البائع دينارا من ثمنه ليكتسي به. فلم يقضه للغريم.
قال: ليس عليه حنث لأن الدينار إنما هو للمشتري كأنه استوضعه دينارا أو كأنه اشترى الكسوة بذلك الدينار قال القاضي أبو محمد: لما أعطى البائع العبد الدينار ليكتسي به فطلب المبتاع ذلك إليه، صار حكمه حكم كسوة العبد، فلم يكن عليه حنث إن لم يقبضه غريمه إذ لا تباع ثياب العبد في دين العبد إلا برضى السيد لأنها في حكم رقبة العبد في ذلك، وهو معنى قوله: لأن الدين إنما هو للمشتري، وفي رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من كتاب العيوب ما يؤيد هذا المعنى من رواية ابن كنانة عن مالك وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لكل واحدة منهما إذا طلقتك ففلانة طالق:

وسألته عن الرجل يكون تحته امرأتان فيقول لكل واحدة منهما: إذا طلقتك ففلانة طالق، فيطلق إحداهما.
قال: يقع على التي ابتدأ الطلاق فيها طلقتان، وعلى الأخرى طلقة، من أجل أنه حين ابتدأ بطلاق هذه طلقت الأخرى واحدة، فلما وقع على التي لم يطلق طلقة بطلاق هذه التي ابتدأ فيها الطلاق طلقت هذه أيضا طلقة التي ابتدأ فيها الطلاق بطلاق هذه الأخرى.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن من حلف ألا يطلق امرأته يحنث بطلاقها كيف ما كان؟ بيمين أو بغير يمين، وقد مضت هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة، ولو قال في المسألة كلما لهذه ولهذه فطلق إحداهما طلقت كل واحدة منهما ثلاثا ثلاثا؛ لأنه كلما وقع الطلاق على واحدة وقع مثله على الأخرى، ذكره ابن سحنون عن أبيه، وهو صحيح.

.مسألة قال لامرأته انتقلي معي فأبت فقال أنت طالق إن لم تنتقلي معي ثم بدا له ألا ينتقل:

وسئل عن رجل قال لامرأته: انتقلي معي فأبت، فقال: أنت طالق إن لم تنتقلي معي، ثم بدا له ألا ينتقل.
قال: إن بدا له ألا ينتقل فليس عليه شيء.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن معناه أنت طالق إن لم تنتقلي معي إن انتقلت، فإذا لم ينتقل لم يكن عليه شيء إلا أن يريد أنت طالق إن لم انتقل بك، وباله التوفيق.

.مسألة قال للتي قد دخل بها شأنك بأهلك أو شأنكم بها فهي البتة:

قال: وإذا قال للتي قد دخل بها: شأنك بأهلك، أو شأنكم بها، فهي البتة ولا ينوى، وإن قال للتي لم يدخل بها فهي واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك فيكون ما نوى، وإن قال للتي قد دخل بها: قد فارقتك أو خليتك أو خليت سبيلك فهي أيضا ثلاث إلا أن يكون نوى أقل من ذلك فيكون ما نوى ويحلف، وإن قال ذلك للتي لم يدخل بها فهي واحدة ألا أن يكون نوى أكثر من ذلك، وهو قول مالك في جميع هذا، وقد قال لي في التي لم يدخل بها: إنها البتة إلا أن يكون نوى واحدة.
قال ابن القاسم: وإن قال قد سرحتك أو سرحت سبيلك فهي للتي لم يدخل بها واحدة إلا أن يكون نوى أكثر من ذلك وهي للتي قد دخل بها ثلاث إلا أن يكون نوى واحدة، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا قال الرجل للتي دخل بها قد فارقتك فهي ثلاث، إلا أن يكون نوى واحدة وحدثني به الثقة عن ربيعة.
قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها قد مضى القول فيها في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شاء فلان:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان، أو يقول لعبده أنت حر إن شئت، فقال: قد شئت إن شاء فلان، فيوجد أن قد ماتا، هل ترجع الشيئة إليهما؟.
قال: إن وجدا قد ماتا فلا شيء لهما ولا ترجع الشيئة إليهما.
قلت: فلو قال لهما هذه المقالة فقالا: قد شئنا إن شاء فلان وفلان بأرض بعيدة مثل إفريقية والأندلس.
قال: أما المرأة فيقال لها: إن شئت فاقض الآن وإن شئت فاتركي، ولا تؤخر إلى قدوم فلان، وأما العبد فذلك له إلى أن يكتب إلى فلان ويستقصي شيئته لأنه ليس في العبد من الضرر ما في المرأة فإن المرأة يمنع من وطئها، والعبد ليس كذلك.
قلت: فإن كان الرجل الذي جعلت المرأة الشيئة إليه بالإسكندرية ونحوها من القرب هل يؤخر إلى ذلك.
قال ابن القاسم: إن كان في القرب على ما ذكرت اليومين والثلاثة وما أشبهه الذي لا يكون على الزوج في ذلك ضرر فإني أرى أن توقف، وأما الأجل البعيد الذي يكون على الزوج في ذلك الضرر فإني أرى أن ترد الشيئة إليها الساعة، فإما قضت أو تركت.
فلو أن الزوج قال: أنا أترك الأمر حتى يشاء فلان ويقدم، فإني أخاف أن يجعل ذلك بيدها فتطلق، وعسى فلان لا يطلق، قال: إن بعد الأمر فلا يقبل فيه رضى الزوج؛ لأن الموت يأتي فتقع الموارثة، قال ابن القاسم: وليس التأخير بشيء في القياس وإن قرب الأمر، وإنما القياس في أن توقف الساعة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينها والقول فيها في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب التخيير والتمليك فلا وجه لإعادة شيء من ذلك ها هنا وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف على الشيء بطلاق امرأته ولا يدري أعلى حق حلف أم على باطل:

وسألته عن الرجل يحلف على الشيء بطلاق امرأته ولا يدري أعلى حق حلف أم على باطل، مثل أن يقول إن كان لم تمطر الليلة بالإسكندرية وهو بالفسطاط فامرأته طالق أو نحو هذا.
قال: قال مالك: من قال: امرأتي طالق إن لم يمطر غدا أو إلى رأس الشهر فإن امرأته تطلق عليه ساعتئذ.
قال ابن القاسم: وانظر إلى جميع هذه الأشياء التي يحلف عليها مثل هذه اليمين قرب استخبارها أو بعد فإنه إذا رفع ذلك إلى السلطان فينبغي له أن يطلق عليه ولا يؤخره إلى الاستخبار عسى أن يكون ذلك حقا، وإن وجد ذلك الشيء الذي حلف عليه حقا قبل أن يطلق السلطان عليه فليس عليه في يمينه شيء، وهذا وجه قول مالك.
قال محمد بن رشد: قال: فيمن قال امرأته طالق إن لم يمطر غدا أو إلى رأس الشهر وما أشبه ذلك مما لا يدرى هل يكون أم لا يكون؟ إن الطلاق يعجل عليه ولا ينتظر به استخبار ذلك، وإن وجد ذلك حقا قبل أن يطلق عليه لم يطلق عليه، وذلك ينقسم على وجهين: أحدهما: أن يرمي بذلك مرمى الغيب ويحلف على أن ذلك لابد أن يكون ولا يكون قطعا على ذلك من ناحية الكهانة أو التنجيم أو تقحما على الشك دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه، فهذا لا اختلاف في أنه يعجل عليه الطلاق ساعة يحلف ولا ينتظر، فإن غفل عن ذلك ولم يطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه، فقيل: إنه يطلق عليه وهو قول المغيرة المخزومي وعيسى ابن دينار، وقيل لا يطلق عليه، وهو قول ابن القاسم هذا، والثاني: لا يرمي بذلك مرمى الغيب وإنما يحلف عليه؛ لأن ذلك غلب على ظنه عن تجربة أو شيء توسمه، فهذا يعجل عليه الطلاق ولا يستأنى به لينظر هل يكون ذلك أم لا يكون، فإن لم يطلق عليه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه لم يطلق عليه، وهو قول عيسى بن دينار، ودليل قول ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقد مضى هذا المعنى في نوازل أصبغ من كتاب النذور.
وأما إن ألزم نفسه الطلاق إن كان ذلك أو لم يكن على غير وجه اليمين فلا يعجل عليه الطلاق إلا أن يكون مما الشك فيه قائم مثل أن يقول: امرأته طالق إن كان في بطن فلانة جارية، أو إن وضعت جارية، أو يقول لامرأته: أنت طالق إن كنت حاملا، أو إن لم تكوني حاملا وما أشبه ذلك، فهذا يختلف هل يعجل عليه الطلاق أو يستأنى به حتى يعلم حقيقة ذلك، فذهب مالك إلى أنه يعجل عليه الطلاق ولا يستأنى به، وذهب ابن الماجشون وسحنون إلى أنه يستأنى به وبالله التوفيق.